أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📁 آخر المقالات

قراءة في قرار مجلس الأمن الأخير: مقترح الحكم الذاتي ينهي الأطروحة الانفصالية ويضع الجزائر أمام مسؤولياتها التاريخية

يأتي قرار مجلس الأمن الأخير ليكرّس، مرة أخرى وبشكل لا لبس فيه، واقعية وجدية مقترح الحكم الذاتي المغربي كحل نهائي للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية. إن تصويت الأغلبية الساحقة من الأعضاء الدائمين وغير الدائمين، مقابل امتناع عضوين دائمين فقط وانسحاب عضو غير دائم، يبعث برسالة واضحة مفادها أن الشرعية الدولية قد حسمت أمرها.

لم يعد القرار مجرد تمديد روتيني لبعثة المينورسو لسنة إضافية، بل هو دعوة صريحة للأطراف المعنية (المغرب، الجزائر، موريتانيا، والبوليساريو) للانخراط في مفاوضات تحت سقف واحد وواضح: الحكم الذاتي.

إن النقطة الجوهرية التي يجب استيعابها هي أن أي مفاوضات قادمة ستنطلق من الحكم الذاتي كأساس وحيد، ولن تناقش إلا شكل وآليات تنزيله. بهذا، يكون مجلس الأمن قد حسم فعلياً في مسألة السيادة المغربية على أقاليمه الجنوبية. لكن هذا التحليل يغفل عنه الكثيرون، وفيما يلي ثلاثة محاور أساسية تكشف عمق هذا التحول:

المحور الأول: أطروحة الجزائر المتآكلة ومنطقها المتناقض

قبل الغوص في تداعيات القرار، يجب التوقف عند الأطروحة الجزائرية التي فقدت بريقها. خلال متابعتي لأحد اللقاءات الشبابية في أوغندا مؤخراً، أثارت انتباهي مداخلة لشاب جزائري كرر فيها الأسطوانة المعهودة: "الجزائر تدعم حق الشعوب في تقرير مصيرها، كما تدعم فلسطين تدعم البوليساريو".

هذا الربط، الذي يُقحم فيه القضية الفلسطينية العادلة كدرع شرعية، هو في الحقيقة "سم في العسل". ولو اتبعنا هذا المنطق الأعوج، لكان الأولى بالجزائر أن تدعم إسرائيل. لماذا؟

لأن إسرائيل، وبدعم من بريطانيا (وعد بلفور)، تم زرعها في أرض فلسطين التاريخية، مدعية "حقوقاً تاريخية ودينية"، تماماً كما ظهرت جبهة البوليساريو فجأة بعد استقلال المغرب وخروج إسبانيا، ولم يكن لها أي وجود في القوانين الدولية التي كانت تخاطب المغرب كطرف وحيد. تم ابتداع هذه الجبهة بدعم جزائري وليبي واضح؛ فالأولى كانت تطمح لمنفذ على المحيط الأطلسي، والثانية (في عهد القذافي) كانت تسعى لإسقاط الأنظمة الملكية بالمنطقة.

إن المغرب وفلسطين هما أصحاب الأرض تاريخياً، وانبثقت على أرضيهما كيانات جديدة. فإذا كان منطق الجزائر هو دعم "الكيان الجديد" لتحقيق مصيره، فلماذا لا تدعم إسرائيل؟ الحقيقة أن الجزائر لا تجيد صراع المنطق، بل تكتفي بالعنتريات والشعارات الفارغة.

المحور الثاني: التوجه الدولي نحو الاستقرار ونماذج الحكم الذاتي الناجحة

في الوقت الذي يتجه فيه العالم نحو تعزيز استقرار الدول وحل النزاعات عبر آليات مبتكرة تضمن الوحدة والتنوع، تسبح الجزائر عكس التيار.

لنأخذ تجربة الدنمارك وجزر فارو كمثال. بعد الحرب العالمية الثانية، ومع تزايد المطالب الاستقلالية في الجزر التي تمتعت باستقلال ذاتي مؤقت ولها لغتها الخاصة، كان الاستفتاء على تقرير المصير متقارباً جداً. وبدلاً من المغامرة العسكرية، اقترح ملك الدنمارك حلاً عبقرياً: حكم ذاتي موسع. والنتيجة اليوم هي نموذج ناجح: برلمان، حكومة، شرطة، وحتى فريق كرة قدم خاص، كله تحت السيادة الدنماركية (العملة، الجيش، والراية) مع حماية اقتصادية ومالية.

ولسنا بحاجة للذهاب بعيداً، فإسبانيا، جارتنا الشمالية، تقدم أروع الأمثلة في نجاح أنظمة الحكم الذاتي.

الهدف من هذه الأمثلة هو إبراز أن التوجه الدولي العقلاني يهدف إلى استقرار الدول، بينما تقف الجزائر كنشاز، في سنة 2025، لتفكيك وتقسيم دولة ضاربة في التاريخ لأكثر من 1200 سنة، دولة كانت بالأمس القريب وصية عليها وكانت تبايع سلاطينها.

المحور الثالث: السيناريو المستقبلي (من حفر حفرةً لأخيه)

والآن ننتقل إلى المحور الثالث الخاص بالسيناريو المستقبلي. وكما نقول بالدارجة: "سخونية الراس كترجع بالبرودة"، أو لنجعل المعنى أوضح: من حفر حفرةً لأخيه سقط فيها.

إن المحور الأخطر، والذي أرى من منظوري الخاص أن الجزائر ستقع فيه لا محالة خلال السنوات القليلة القادمة، هو مواجهتها لمطالب استقلالية من قلب تيندوف.

هذا الاستشراف مبني على تجارب دولية كتيمور الشرقية، وإريتريا، وجنوب السودان، وحتى سنغافورة، التي انفصلت عن دولها الأصلية. لكن حالة البوليساريو أقوى من بعض هذه الأمثلة؛ فالجزائر سمحت بتراكم ثلاثة أجيال ولدوا وترعرعوا وكبروا في تيندوف.

وفقاً لمبادئ القانون الدولي، فإن هذه الساكنة لها الحق في المواطنة، والحق في العيش الكريم، والحق في الاستقرار الجغرافي، وبالتالي الحق في تقرير مصيرها على الأرض التي تعيش فوقها (أي تيندوف)، وهم على عكس وضعهم في الصحراء المغربية، يعيشون الآن في أرض محددة وواضحة المعالم تحت السيطرة الجزائرية.

خاتمة: الكبرياء الأسود و "الراكد"

ختاماً، أصبحت الجزائر اليوم، بعد قرار مجلس الأمن، "كالديك المذبوح" لا يعرف هل يتفاوض على الهزيمة أم يتمادى في عناده. فالمغرب، الذي يعلم علم اليقين أنه لن يتنازل عن شبر من أرضه، قد حصّن موقفه بالشرعية الدولية والاعترافات المتوالية.

لقد حملت الجزائر لأكثر من 50 سنة جنيناً ميتاً يثقل كاهل المواطن الجزائري قبل أن يثقل المنطقة، وهو ما يمكن تشبيهه في موروثنا الشعبي بحالة "الراكد" (وهي حالة تصيب المرأة حين يتجاوز حملها مدته الطبيعية بأشواط).

الكبرياء الأسود والعنتريات لن تفيد أحداً. والجزائر أمام فرصة ذهبية لطي هذا الخلاف، وفرصة لكي تتصالح مع التاريخ وتخرج من حفرة ضيقة قد تغلق عليها. وكما أكد صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله مراراً، فإن يد المغرب ممدودة لحوار أخوي، ولكن مع الحفاظ التام والصارم على وحدته الترابية وسيادته الوطنية غير القابلة للتصرف أو المساومة.

لم يعد المجتمع الدولي يتعامل مع دولة، بل بمنطق الأمومة؛ فقد أصبح يتعامل مع "طفل مراهق" تربَّى على حنين الصراعات وحلاوة المشادات وإعانات الأمم.

أَلَم يحن الوقت للنضج؟

تعليقات