أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📁 آخر المقالات

تحليل مبادرة الحكم الذاتي بالصحراء: من مقترح 2007 إلى الدعم الدولي وقرار 2797

مبادرة الحكم الذاتي: تحليل شامل للمقترح المغربي لحل قضية الصحراء

في خطوة تعكس زخماً دولياً متجدداً، أعاد قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2797، الصادر في 31 أكتوبر 2025، تسليط الضوء على مبادرة الحكم الذاتي المغربية كإطار جاد وذي مصداقية لإنهاء النزاع الإقليمي حول الصحراء. هذه المبادرة، التي قدمها المغرب رسمياً للأمم المتحدة في أبريل 2007، لم تعد مجرد مقترح، بل أصبحت حجر الزاوية في المسار السياسي الذي تدعمه القوى الكبرى كحل واقعي وعملي قابل للتطبيق.

لكن، ما الذي تتضمنه هذه المبادرة بالضبط؟ وكيف توازن بين السيادة الوطنية والتسيير المحلي؟ في هذا المقال، تُقدم لكم مدونة "اجي تسمع" تحليلاً شاملاً لأبرز مضامين هذا المقترح الذي يرسم ملامح مستقبل المنطقة.

أحدث التطورات: قرار مجلس الأمن 2797، الذي صاغته الولايات المتحدة، لم يمدد لبعثة المينورسو لعام إضافي (حتى 31 أكتوبر 2026) فحسب، بل رحب مجدداً بجهود المغرب "الجادة وذات المصداقية" المتمثلة في مبادرة الحكم الذاتي، داعياً جميع الأطراف إلى الانخراط بحسن نية في العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة.

لماذا مبادرة 2007؟ سياق المقترح المغربي

جاء تقديم مبادرة الحكم الذاتي عام 2007 بعد سنوات من الجمود. فبعد تعثر خطط الاستفتاء التي تضمنتها اتفاقيات وقف إطلاق النار (خطة بيكر الأولى والثانية)، أصبح من الواضح أن هناك حاجة ماسة إلى "حل سياسي ثالث" يخرج عن ثنائية "الاستقلال التام" أو "الإدماج الكامل".

استجاب المغرب لدعوات الأمم المتحدة المتكررة لتقديم مقترحات واقعية وبناءة. وهكذا، وُلدت فكرة الحكم الذاتي الموسع تحت السيادة المغربية، كحل وسط يضمن لسكان الإقليم إدارة شؤونهم بأنفسهم، مع الحفاظ على الوحدة الترابية للمملكة ورموزها السيادية.

الركائز الأساسية لمبادرة الحكم الذاتي

لا يقتصر المقترح المغربي على كونه إعلاناً للنوايا، بل هو مشروع متكامل يتضمن هياكل مؤسسية وصلاحيات واضحة. ويمكن تفصيل مضامينه الأساسية كما يلي:

1. صلاحيات واسعة لسكان الإقليم

جوهر المبادرة هو منح سكان الأقاليم الصحراوية صلاحيات واسعة لإدارة شؤونهم المحلية عبر هيئات منتخبة ديمقراطياً. تشمل هذه الصلاحيات:

  • هيئات محلية قوية: إنشاء برلمان جهوي وحكومة جهوية (يرأسها رئيس ينتخبه البرلمان المحلي) ومحاكم جهوية.
  • الإدارة المحلية: صلاحية تدبير الشؤون الإدارية المحلية، وإنشاء شرطة جهوية تابعة للحكومة المحلية لضمان النظام العام.
  • الاقتصاد والمالية: إدارة الميزانية والمالية الخاصة بالجهة. ستتوفر الجهة على موارد مالية مستقلة تتكون من عائدات محلية (ضرائب ورسوم)، وموارد مخصصة من الدولة في إطار التضامن الوطني، وعائدات استغلال الموارد الطبيعية في الجهة.
  • التنمية والبنية التحتية: التخطيط الاقتصادي، تشجيع الاستثمار، التجارة، السياحة، وإدارة البنى التحتية الأساسية (النقل، الطاقة، الماء).
  • الشؤون الاجتماعية والثقافية: إدارة قطاعات حيوية كالتعليم، الصحة، التشغيل، السكن، والحفاظ على الهوية الثقافية الحسانية وتعزيزها.

2. الصلاحيات الحصرية للدولة المركزية

لضمان الحفاظ على الوحدة الوطنية، تحتفظ الدولة المغربية باختصاصات سيادية حصرية لا يمكن تفويضها. هذه الاختصاصات هي:

  • الرموز السيادية: العلم والنشيد الوطني والعملة.
  • الاختصاصات الدستورية والدينية: يحتفظ الملك محمد السادس بمكانته الدستورية والدينية كأمير للمؤمنين والضامن لوحدة الأمة وحقوق المواطنين.
  • الأمن والدفاع الخارجي: تظل القوات المسلحة الملكية مسؤولة عن الدفاع عن وحدة وسلامة أراضي المملكة.
  • العلاقات الخارجية: تبقى من اختصاص الدولة المركزية، مع إمكانية التشاور مع جهة الحكم الذاتي في القضايا التي تهم سكانها مباشرة.
  • النظام القضائي: ضمان وحدة النظام القضائي الوطني، مع بقاء المجلس الأعلى للقضاء والمحكمة الدستورية كأعلى هيئات قضائية في المملكة، لضمان انسجام التشريعات.

3. هيئات الجهة وبنيتها الدستورية

تقترح المبادرة تنظيماً مؤسسياً يرسخ الديمقراطية التمثيلية:

  • البرلمان الجهوي: يتم انتخابه من قبل سكان الأقاليم، ويضم تمثيلاً مناسباً للنساء وممثلي القبائل المحلية. يتولى هذا البرلمان السلطة التشريعية المحلية.
  • الحكومة الجهوية: يرأسها شخص ينتخبه البرلمان الجهوي ويعينه الملك. تكون هذه الحكومة مسؤولة أمام البرلمان الجهوي عن تنفيذ القوانين والقرارات المحلية.
  • المحاكم الجهوية: هيئات قضائية مستقلة تصدر أحكامها باسم الملك، وتختص بالنظر في القضايا ضمن نطاق اختصاصات الجهة.
  • مندوب الحكومة: تعين الدولة ممثلاً لها يشرف على تنفيذ الاختصاصات السيادية للدولة وينسق بين الإدارة المركزية وإدارة الجهة.

4. الضمانات وحقوق الإنسان

تؤكد المبادرة بشكل قاطع على أن جميع سكان الأقاليم الجنوبية سيتمتعون بكافة الحقوق والحريات التي يضمنها الدستور المغربي، بما يتوافق مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان. كما تنص على إدراج نظام الحكم الذاتي هذا في الدستور المغربي بعد الموافقة عليه عبر استفتاء، مما يمنحه أقوى ضمانة قانونية لاستمراريته.

5. المصالحة والعودة

تضع المبادرة المصالحة كشرط أساسي لنجاح الحل. ولهذا، تتعهد المملكة بإصدار عفو شامل عن جميع الأشخاص المعنيين بالنزاع، بمن فيهم سكان مخيمات تندوف، لتمكينهم من العودة إلى وطنهم دون قيود.

كما تقترح المبادرة إحداث "مجلس انتقالي" يضم مختلف الأطراف، للإشراف على عمليات العودة، نزع السلاح، وإعادة الإدماج، لضمان انتقال سلس نحو الوضع الجديد في جو من الثقة والأمن.

لماذا يعتبر المقترح المغربي "جاداً وذا مصداقية" دولياً؟

إن الوصف المتكرر للمبادرة بـ "الجادة وذات المصداقية" في قرارات مجلس الأمن المتعاقبة، والدعم المتنامي لها من قوى دولية وازنة، لا يأتي من فراغ. بل يستند إلى عدة عوامل موضوعية:

التوافق مع "الحل السياسي" الأممي

أدركت الأمم المتحدة منذ سنوات أن تنظيم استفتاء كلاسيكي بـ "نعم أو لا" أصبح غير قابل للتطبيق بسبب الخلافات العميقة حول تحديد هوية الناخبين. لذلك، تحولت دعواتها نحو "حل سياسي، واقعي، عملي، دائم، وقائم على التوافق". المبادرة المغربية هي التجسيد العملي الوحيد على الطاولة الذي يلبي جميع هذه المعايير.

الدعم الدولي المتنامي

لم يعد الدعم مقتصراً على الحلفاء التقليديين. شهدت السنوات الأخيرة تحولات تاريخية في مواقف دول كبرى:

  • الولايات المتحدة: اعترفت بسيادة المغرب الكاملة على الصحراء في ديسمبر 2020، وتعتبر الحكم الذاتي الأساس الوحيد للمفاوضات.
  • إسبانيا: في مارس 2022، أعلنت مدريد أن المبادرة المغربية هي "الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية" لحل النزاع.
  • ألمانيا: انضمت إلى الموقف الإسباني، معتبرة المبادرة "مساهمة جادة وذات مصداقية" من المغرب.
  • فرنسا وهولندا: تدعمان المبادرة تاريخياً كقاعدة للحل.
  • الدول العربية والإفريقية: أغلبية ساحقة من الدول العربية والعديد من الدول الإفريقية (أكثر من 30 دولة) فتحت قنصليات عامة في مدينتي العيون والداخلة، في اعتراف دبلوماسي واضح بمغربية الصحراء ودعم للمبادرة.

فرصة تاريخية لإنهاء النزاع

تقدم مبادرة الحكم الذاتي المغربية لعام 2007، والمدعومة اليوم بوضوح من خلال قرار مجلس الأمن 2797، خارطة طريق واضحة لإنهاء واحد من أطول النزاعات في إفريقيا. إنها تمثل توازناً دقيقاً بين الحق في إدارة الشؤون المحلية لسكان الإقليم، وضرورة الحفاظ على السيادة الوطنية والوحدة الترابية.

يبقى نجاح هذه المبادرة، التي وصفها الملك محمد السادس بأنها "الأساس الوحيد للتفاوض"، رهيناً بانخراط جميع الأطراف بروح من الواقعية والتوافق، لاغتنام هذه الفرصة التاريخية لبناء مستقبل من السلام والتنمية المشتركة للمنطقة المغاربية بأسرها.

تعليقات