أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📁 آخر المقالات

المغرب بين جيلين: لماذا لا يسمع أحد صرخة "جيل Z"؟

المغرب بين جيلين: لماذا لا يسمع أحد صرخة "جيل Z"؟

لم يكن خبر تعليق حركة "جيل زد" لاحتجاجاتها مجرد خبر عابر يستهلكه شريط الأخبار، بل كان أشبه بالصمت الذي يسبق العاصفة، أو ربما هو الهدوء الذي يخفي تحته أمواجًا متلاطمة من الإحباط والتطلعات. هذا الصمت هو ما يجب أن يقلقنا أكثر من الضجيج، لأنه يكشف عن هوة سحيقة تتسع في صمت بين جيلين؛ جيل تشكّل وعيه في العالم الرقمي المفتوح، وجيل لا يزال يقيس الواقع بمقاييس الأمس. السؤال الحقيقي لم يعد "لماذا صمتوا؟"، بل "هل سمعناهم أصلًا عندما كانوا يصرخون؟".

أحلام كونية تصطدم بجدار الواقع

لفهم عقلية هذا الجيل، علينا أن ندرك أن وطنه الأول هو الإنترنت. هو مواطن كوني قبل أن يكون مواطنًا محليًا. يرى من خلال نافذته الرقمية شبابًا في عمره يطلقون شركات ناشئة من غرف نومهم، ويقودون حركات تغيير عالمية، ويصنعون محتوى يحقق لهم استقلالًا ماديًا ومعنويًا. ثم يرفع رأسه ليصطدم بجدار الواقع الصلب: بيروقراطية بطيئة، ومنظومة اجتماعية تقدر الامتثال أكثر من الابتكار، وسوق عمل لا يزال يعمل بقواعد الماضي. هذه ليست مجرد فجوة في الفرص، بل هي شرخ عميق في مفهوم الممكن والمستحيل.

عندما تتحدث الأجيال لغات مختلفة

الفجوة أعمق من مجرد اختلاف في التكنولوجيا أو اللهجة. إنها فجوة في "نظام التشغيل" الفكري. جيل الآباء والأجداد يتحدث لغة الأرقام والتقارير، لغة "الاستقرار الوظيفي" و"تأمين المستقبل" كغاية نهائية. هي لغة منطقية ولدت من رحم تجاربهم وتحدياتهم. في المقابل، يتحدث "جيل Z" لغة الشغف والأثر وتحقيق الذات. هم لا يبحثون عن أمان الوظيفة بقدر ما يبحثون عن قيمة التجربة. يريدون أن يكون عملهم امتدادًا لهويتهم، لا مجرد مصدر رزق.

"المأساة ليست في أنهم لا يريدون العمل، بل في أنهم يرفضون العمل الذي يسلبهم معنى وجودهم. وعندما لا يجدون البديل، يختارون الصراخ بأدواتهم الخاصة، وغالبًا ما يكون الصراخ رقميًا وغير مسموع."

صرخة مكتومة في وجه اقتصاد لا يرحم

في نهاية المطاف، كل هذه الأحلام الكونية والطموحات الفردية تتحطم على صخرة الاقتصاد. هذا الجيل، الذي يعد الأكثر اطلاعًا وتكوينًا في تاريخ البلاد، يجد نفسه أمام معادلة مستحيلة: شهادات جامعية لم تعد تضمن شيئًا، ومهارات رقمية عالية لا تجد دائمًا من يقدرها بالقيمة التي تستحقها. الشعور بأنك تملك كل الأدوات لكنك ممنوع من البناء هو أقسى أنواع العجز. هذه الصرخة المكتومة ليست تمردًا فارغًا، بل هي رد فعل طبيعي على منظومة تبدو وكأنها لم تعد مصممة لهم.

"اجي تسمع": دعوة لترميم الجسر المقطوع

إن اختزال صوت هذا الجيل في "طيش شباب" أو "تأثير سلبي للسوشيال ميديا" هو أسهل إجابة، ولكنه الأكثر خطأً. ما يحدث ليس صدامًا، بل هو دعوة عاجلة من جيل يشعر باليتم المعرفي والاجتماعي. هم يتقنون لغات العالم الرقمي، لكنهم يبحثون بيأس عمن يترجم إحساسهم بالعجز إلى لغة يفهمها صناع القرار والمجتمع.

تعليقات