في كل زقاق ومدينة مغربية، تتجلى صور الكفاح اليومي لطبقة لطالما كانت العمود الفقري للمجتمع، وصمام أمان استقراره: الطبقة الوسطى. هذه الفئة، التي تحمل على عاتقها آمال أبنائها وطموحات الوطن، تجد نفسها اليوم في مواجهة عاصفة من التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تهدد وجودها وتآكل قدرتها على الصمود.
من فاتورة السوق التي تتضخم شهراً بعد شهر، إلى مصاريف التعليم والصحة التي تستنزف الميزانية، ومروراً بقلق الأبوين الصامت أمام عداد الوقود المتصاعد؛ كلها مشاهد تتكرر يومياً في بيوت ملايين المغاربة. في "اجي تسمع"، نحاول أن نلامس هذا الواقع، ونفكك آلياته، لنفهم كيف تصمد هذه الطبقة، وما هو الثمن الذي يدفعه المغرب كله عندما تئن هذه الركيزة الأساسية.
تشخيص "الكماشة": ما الذي يضغط على الطبقة الوسطى؟
تجد الطبقة الوسطى نفسها محاصرة بين فكي "كماشة" اقتصادية واجتماعية تزداد إحكاماً. هذه الضغوطات لم تعد مجرد تحديات عابرة، بل باتت تهدد بتراجع مستواها المعيشي وانهيار طموحاتها.
1. الغلاء الذي لا يرحم: التضخم يلتهم المدخرات
لم يترك التضخم الجامح مادة استهلاكية أساسية إلا وأصابها. من الخبز والزيت والسكر، إلى الخضر والفواكه واللحوم، أصبحت الأسعار تتغير بوتيرة أسرع من قدرة الأسر على تتبعها. ما كان بالأمس كماليات، بات اليوم حلماً بعيد المنال، وما كان أساسياً أصبح عبئاً ثقيلاً. هذا الغلاء لا يستنزف القدرة الشرائية فحسب، بل يولد شعوراً بالإحباط وعدم اليقين حول المستقبل.
2. جمود الأجور: سباق خاسر ضد التكاليف
في مقابل الارتفاع الجنوني للأسعار، ظلت الأجور في غالبيتها ثابتة أو لم ترتفع بنفس وتيرة التضخم. هذا يعني تآكلاً فعلياً للقيمة الحقيقية للدخل الشهري، وتحول العديد من الأسر من خانة الطبقة الوسطى المريحة إلى حافة الفقر أو الطبقة المعرضة للهشاشة. سباق الأجور مع التكاليف يبدو سباقاً خاسراً بالنسبة لكثيرين.
3. تكلفة "جودة الحياة": التعليم والصحة
حتى الخدمات الأساسية التي كانت الطبقة الوسطى تعتمد عليها، كالصحة والتعليم العموميين، تدهورت جودتها بشكل يدفع الكثيرين للبحث عن بدائل في القطاع الخاص، وهو ما يضيف أعباء مالية هائلة. فمصاريف تمدرس الأبناء في المدارس الخصوصية، وتكاليف العلاج في المصحات الخاصة، أصبحت تستنزف جزءاً كبيراً من الميزانية، مما يقلص هامش الأمان لدى الأسر.
ماذا نفقد عندما تضعف الطبقة الوسطى؟
إن إضعاف هذه الطبقة ليس مجرد مسألة أرقام اقتصادية، بل له تبعات خطيرة على نسيج المجتمع ككل. فالطبقة الوسطى هي محرك الاستهلاك، مصدر الاستثمار في التعليم والصحة، وحاضنة للابتكار والطموح. عندما تئن هذه الطبقة، تتراجع الحركية الاقتصادية، وتزداد الفوارق الاجتماعية، وتخبو شعلة الأمل لدى الشباب، مما يهدد الاستقرار المجتمعي على المدى البعيد.
بين الأمل والقلق
إن صمود الطبقة الوسطى المغربية هو شهادة على قوة الروح المغربية وقدرتها على تحدي الصعاب. لكن هذا الصمود لا يمكن أن يكون إلى ما لا نهاية. فالمرحلة الراهنة تتطلب سياسات عمومية أكثر جرأة وفعالية لحماية هذه الطبقة، ليس فقط من باب العدالة الاجتماعية، بل كاستثمار حقيقي في مستقبل المغرب واستقراره.
ما هي قصتك مع غلاء المعيشة؟ وكيف تتأقلم مع هذه الظروف؟ شاركنا تجربتك في التعليقات.